نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالقنيطرة يوم السبت 17 دجنبر 2016 بتعاون مع وزارة العدل والحريات ندوة علمية حول موضوع: “حوكمة عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية: رؤية استشرافية في ضوء النظام الداخلي”.
الجلسة الافتتاحية :
استهلت أشغالها بكلمة السيد رئيس نادي قضاة المغرب الدكتور عبد اللطيف الشنتوف أكد فيها عن سياق تنظيم هذا اللقاء الذي يأتي تزامنا مع قرب تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث أكد أن نادي القضاة اختار أن يطرح موضوع مشروع النظام الداخلي للنقاش العمومي في أول سابقة من نوعها ايمانا منه بأن القضاء أضحى شانا مجتمعيا لا يهم القضاة فقط، مسجلا عدة ملاحظات حول الموضوع من بينها تهريب مجموعة من المجالات التي كان يفترض تنظيمها على مستوى قوانين السلطة القضائية الى النظام الداخلي أو نصوص تنظيمية أخرى، في الوقت الذي استبق فيه المشرع وضع مدونة السلوك وهي مهمة موكولة للمجلس، وحسم في طبيعتها معتبرا أنها ملزمة وليست مجرد مبادئ سلوك.
واستعرض مدير ديوان وزير العدل والحريات الأشواط التي قطعها مسلسل اصلاح منظومة العدالة والذي توج بصدور القوانين التنظيمية المتعلقة بالقضاء، معتبرا اختيار القضاة لمناقشة موضوع النظام الداخلي للمجلس مبادرة تنم عن سمو فكرهم وقناعتهم بأن القضاء رسالة مجتمعية، مشيرا الى أن المجلس السابق حاول اعتماد معايير أكثر دقة لمعالجة المواضيع المعروضة عليه لتحقيق الموضوعية والشفافية والقطع مع الممارسات السابقة.
في حين ركزت كلمة السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض على الضمير المسؤول، الذي يستوجب التعامل مع مستقبل عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية بكل إيجابية ومواطنة ورغبة في تجاوز أي عقبات قد تلوح في الأفق، مما يحتم وضع نظام داخلي متكامل يستلهم عناصره من روح دستور 2011 والتوجيهات الملكية السامية التي تحث على استقلال حقيقي للسلطة القضائية، قوامه المسؤولية والمحاسبة وخدمة المتقاضين وتكريس الثقة وصون حرمة القضاء وكرامة القضاة، نظام داخلي يجب أن يجيب على الكثير من الأسئلة الشائكة ويستنبط الحلول والمقاربات من كل التجارب الوطنية والدولية الناجحة.
و ذكر أمين المجلس الوطني لحقوق الانسان محمد صبار في كلمته بأهم المرجعيات الدولية التي ينبغي مراعاتها عند وضع النظام الداخلي للمجلس داعيا الى تبسيط مساطر التداول بشكل يحقق نجاعة المجلس مستلهما بعض التجارب الدولية في المجال من بينها اصلاح القانون البلجيكي سنة 2015 والذي سمح بإمكانية اجراء المداولات عبر الهاتف، وفي حالة الاستعجال عن طريق البريد الالكتروني أو الفاكس.
الجلسة العلمية الأولى
“حَوكَمة عمل المجلس الأعلى للسلطة القضائية:
تصورات ومداخل إعداد النظام الداخلي”
رئيس الجلسة : ياسين مخلي مستشار بمحكمة الاستئناف بمكناس وعضو المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية.
مقرر الجلسة : عبد العزيز علا (قاض بالمحكمة الابتدائية بسيدي قاسم).
استهلت الجلسة بمداخلة تحت عنوان :”عمل المجلس الأعلى للقضاء من منظور التجارب السابقة”، من إعداد الأستاذ جعفر حسون عضو سابق بالمجلس، أكد فيها أن المجلس ظل لمدة ناهزت ثلاثة عقود من الزمان يعيش دون نظام داخلي، ودون أي معايير وهو ما خلق عدة ممارسات سلبية من قبيل خلق مراكز قوى أصبحت تؤثر في أعماله، وعدم انتظام دوراته، وغياب الشفافية، وقد استمر الوضع الى حدود سنة 1999 حينما بادر وزير العدل السابق عمر عزيمان بوضع مشروع للنظام الداخلي لقي مقاومة داخلية شديدة من طرف بعض القوى المحافظة، مؤكدا أن المشهد القضائي عرف انفراجا على مستوى ممارسة القضاة لحقهم في التعبير وانخراطهم في مناقشة الأمور المهنية وذلك بالمصادقة على دستور 2011 الذي شكل مرحلة مفصلية في تاريخ القضاء المغربي.
وقدم الأستاذ عبد الله درميش نقيب سابق لهيآت المحامين بالمغرب مداخلة تحت عنوان:”ضمانات الاستقلالية في النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية: استلهام لتجربة الأنظمة الداخلية لهيأت المحامين بالمغرب”، ذكر من خلالها أن إحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية وفق دستور 2011 يعد حدثا تاريخيا، وأن المجلس المذكور مدعو إلى الانفتاح على محيطه الخارجي وخاصة مساعدي العدالة وعلى رأسهم مهنة المحاماة، مقترحا وضع بذلة نظامية موحدة لأعضاء المجلس مستمدة من الثرات المغربي ومنح القضاة الحق في ممارسة التحكيم، والاهتمام بالتكوين المستمر، وعدم متابعة القضاة بناء على مجرد وشايات، وتوسيع حقوق الدفاع أمام المجلس، خاصة حق القاضي المتابع في المؤازرة بالعدد الكافي من المحامين الذين يختارهم.
الأستاذ نبيل رحيل مستشار بمحكمة الاستئناف بمكناس وأمين المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب قدم مداخلة تحت عنوان :”النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية: تصورات أولية”، أكد فيها أن المشرع خول للمجلس وضع قانون داخلي يكمل ما تم تغافله في القانون التنظيمي ( المادة 149 من القانون التنظيمي) وأهم المواد التي تحيل على النظام الداخلي نجد المواد 50 و52 و60 و106 و119، وثم تساءل المتدخل هل مجالات تدخل النظام الداخلي وردت على سبيل الحصر أم المثال؟ وخلص في النهاية أنها وردت على سبيل المثال كما ذهب إلى ذلك بعض دول الرائدة في الميدان، ذلك أن الاختصاصات المنوطة بالمجلس كثيرة ومتنوعة، تتوزع بين مجالات إدارية وتنظيمية وما يتعلق التفتيش.. وهذا يتطلب خلق عدة لجان إضافية غير مشار إليها في القانون التنظيمي للمجلس، وأيضا ما يتعلق بعمل تلك اللجان، كما أن النظام الداخلي يجب أن يراعي بعض بنود القانون التنظيمي كمدة الحرمان من الترقي التي يجب أن يقتصر فيها على سنة في القانون الداخلي بدل ثلاث سنوات المنصوص عليها في القانون التنظيمي، وكذا دعى إلى إحداث موقع الكتروني قصد التواصل مع القضاة وباقي مكونات المجتمع، وكذا إنشاء مجلة ورقية توزع على القضاة بعد كل دورة.
وقدم الأستاذ أنس سعدون عن المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية مداخلة تحت عنوان “تساؤلات حول مشروع النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية”، استهلها بتسجيل عدة ملاحظات أهمها بطء تنزيل قوانين السلطة القضائية وتأخر تنصيب المجلس وهو ما فوت على مشروع قانون المالية لسنة 2017 تخصيص ميزانية مستقلة له مما قد يؤدي الى صعوبات عند تنزيل المجلس الجديد خاصة بالنظر الى المهام الكثيرة التي تنتظره وفي مقدمتها اعداد النظام الداخلي ومدونة السلوك والمساهمة في ورش تنزيل باقي النصوص المكملة لمنظومة القضاء، لافتا الانتباه الى قصر الأجل المحدد لإخراج النظام الداخلي والذي لن يتعدى ثلاثة أشهر وقصر ولاية هذا المجلس التي حددت استثناء في ثلاث سنوات للأعضاء المعينين وأربع سنوات للأعضاء المنتخبين، مقترحا ضرورة مراعاة التنوع واحترام مقاربة النوع الاجتماعي عند تشكيل اللجان، ومراجعة معايير البت في طلبات الانتقال واعتماد تحفيزات تشجع القضاة على العمل في المناطق النائية، وتدبير الشكايات وآلية تظلم القضاة، كما دعا الى خلق مؤسسة الناطق الرسمي للمجلس واعتماد مؤسسة القاضي المكلف بالتواصل على مستوى المحاكم أيضا لضمان وصول الصحافة والإعلام الى المعلومة القضائية الصحيحة والقانونية، والاهتمام بلجنة الأخلاقيات التي ينبغي ألا تبقى مجرد لجنة لتتبع مدى التزام القضاة بمدونة السلوك بل أداة لقياس مدى تطور القيم القضائية.
الجلسة العلمية الثانية
“مدونة السلوك والأخلاقيات القضائية : مقاربات منهجية ومرجعية”
رئيس الجلسة: الدكتور سمير ايت أرجدال رئيس المحكمة الابتدائية بوادي زم ورئيس مؤسس للمركز المغربي للمعالجة التشريعية والحكامة القضائية.
مقرر الجلسة: هشام العماري قاض بالمحكمة التجارية بفاس.
افتتحت أشغال الجلسة الثانية بكلمة السيد المدير العام للمعهد العالي للقضاء الدكتور عبد المجيد غميجة تحت عنوان: مدى إلزامية قواعد مدونات القيم القضائية. انطلق فيها من طرح التساؤل الجوهري: من يراقب من؟ ليؤكد بأن مصداقية القضاة وإن كانت غير نابعة من صناديق الانتخاب فإنها تنبع من الثقة التي يضعها المواطنون في القضاء. ومن هنا تبرز أهمية أن يلتزم القضاة بالسلوك المثالي تعزيزا لهذه الثقة. و بعد أن استعرض مجموعة من المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالموضوع كالأخلاق و قواعد السلوك و الواجبات المهنية و الأخلاقيات القضائية خلص إلى أن المشرع المغربي فضل مفهوم الأخلاقيات القضائية لأنها أوسع من مصطلح القيم القضائية مستدلا بالمادة 111 من الدستور. كما أكد بأن القواعد المنظمة للموضوع في الأنظمة المقارنة تم استخلاصها من علم الاجتماع القانوني و تعتمد أساسا على مفهوم الأخلاق و القيم ومفهوم السلوك الظاهر في الحياة المهنية و الخاصة، وأن الحياد هو جوهر الأخلاقيات القضائية.
وأضاف مدير المعهد العالي للقضاء بأن مصادر الأخلاقيات القضائية في القانون المغربي منها ما هو مكتوب كالدستور والقسم القضائي و القانون الجنائي والقانون المدني و النظام الأساسي للقضاة، و منها ما هو اجتهادي و يتعلق باجتهاد و عمل المجلس الأعلى للقضاء.
وعن إشكالية الموضوع المرتبطة بمدى الإلزامية خلص المتدخل إلى أن توسع النصوص القانونية التي ألزمت القضاة بضرورة الالتزام بالأخلاقيات القضائية يوحي بطابعها الإلزامي و أنه لا شك سوف يكون لاجتهاد المجلس الأعلى للسلطة القضائية و تعليله الموقف الحاسم في هذه النقطة.
وقدم الدكتور محمد الخضراوي نائب رئيس الودادية الحسنية للقضاة مداخلة تحت عنوان: “مدونة القيم القضائية المغربية: قراءة في المنهجية”، استعرض من خلالها المراحل التي مرت منها تجربة وضع مدونة القيم القضائية التي صدرت سنة 2009 بمجهود قضائي خالص بعد مناقشتها في 12 ندوة جهوية، مؤكدا أن الثقة هي محور القيم القضائية، ليتساءل هل إن الأمر يتعلق بمدونة و قانون للقيم أم مجرد ميثاق و إعلان مبادئ لا يرقى إلى درجة القانون؟
في هذا السياق أكد المتدخل بأنه “مهما كان النص القانوني الذي نريد إنتاجه فلا بد أن تكون به ثغرات و لا بد أن يأتي ناقصا لأن الوقائع لا متناهية في حين أن القانون محدود”، ليخلص للقول بأن جزء كبيرا من جوهر الأخلاقيات القضائية ومدى إلزاميتها سوف يكون خاضعا للسلطة التقديرية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وقدم السيد نور الدين الواهلي وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة مداخلة تحمل عنوان: “مدونة القيم القضائية رؤية استشرافية على ضوء الدستور والقانونين التنظيميين للسلطة القضائية”، كشف من خلالها عن سياق المتغيرات الحاصلة في السنوات الأخيرة التي جعلت القضاء ينتقل من مجرد وظيفة إلى سلطة قائمة الذات. ليتساءل “في ظل هذا الوضع و نظرا للمسؤولية الجسيمة التي أصبحت ملقاة على عاتق القضاة هل تعتبر مدونة القيم القضائية التي صدرت سنة 2009 كافية لتأطير سلوك القضاة؟”
اجابة عن هذا السؤال أكد المتدخل بأن المقاربة التشاركية بين المجلس والجمعيات المهنية في إعداد مدونة الأخلاقيات القضائية يجب أن تعكس سمو رسالة القضاء واحترام المواثيق والمبادئ الدولية، مضيفا بأنه لا يعتقد بأن قواعد بانغالور للسلوك القضائي تتعارض مع الدستور المغربي والقوانين التنظيمية المرتبطة بالسلطة القضائية. و أهم مؤشر في هذا المجال هو الحرص على عدم التأثير في القرار القضائي و دعم طمأنينة القاضي، “لذا يتعين إصدار نصوص تشريعية تحمي القاضي من التأثير و لا تقيد حرياته و خاصة حرية التعبير”.
وقدم الأستاذ عبد الخالق الشرفي نائب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة مداخلة حول موضوع: “القيم القضائية بين النظر والتطبيق، واجب التحفظ نموذجا”. أكد فيها بأن الدستور المغربي والقوانين التنظيمية للسلطة القضائية تعرضت لواجب التحفظ في عدة مواد و هو ما يوحي بأن الأمر سيكون له انعكاس على إعداد مدونة الأخلاق القضائية، متسائلا: “كيف يمكن للقاضي أن يمارس حريته في التعبير كمواطن في ظل تقييده بواجب التحفظ؟”.
اجابة على هذا السؤال : أكد عضو نادي قضاة المغرب بأن “هناك اتجاهان في مقاربة واجب التحفظ؛ الأول يوسع دائرة التحفظ، و الثاني يضيق منها، موصيا بضرورة تبني التوجه المضيق وربط واجب التحفظ بالحياة المهنية فقط دون الحياة الشخصية للقاضي.
وبعد فتح المجال أمام المناقشة قدم الحاضرون عدة مقترحات منها ضرورة تضمين النظام الداخلي مقتضيات تحمي حقوق أعضاء المجلس أيضا، ودعوة كافة الجمعيات المهنية الى توحيد جهودها وتقديم مذكرة موحدة تعرض من خلالها تصوراتها لصياغة قانون داخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية يحترم المعايير الدولية والدستور ويعتمد مبدأ المساواة بين جميع القضاة وفق معايير محددة مع ضمان الاستقلالية والحياد ومحاكمة عادلة وشريفة .