بلاغ المكتب التنفيذي لـ “نادي قضاة المغرب” (المسؤوليات والتأديبات)

أصدر المكتب التنفيذي لـ “نادي قضاة المغرب”، بتاريخ 08-06-2018، بلاغا صحفيا همّ دراسة نتائج أشغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية في دورتيه العادية والاستثنائية، وقد تطرق لثلاث قضايا رئيسة، وهي: تواصل المجلس المذكور، والتعيينات في المسؤوليات القضائية، وتأديبات القضاة، والانتقالات، وتعيينات القضاة الجدد.
وبالنظر إلى كون لغة البلاغات تأبى من حيث طبيعتها تفصيل تلك القضايا، ارتأى “نادي قضاة المغرب” أن يرفق بلاغه المذكور بجملة من التفصيلات، وذلك تدعيما لشفافية العمل المهني القضائي من جهة، وتجويدا لعمل مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية من جهة أخرى.

وقد اقتصر في هذه الورقة على: التعيين في مهام المسؤولية القضائية (أولا)، والتأديبات (ثانيا).

أولا: بخصوص التعيين في مهام المسؤولية القضائية

جدير بالإشارة هنا، أن المادة 71 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تنص على ما يلي: “تقوم الأمانة العامة للمجلس بإعداد لائحة مهام المسؤولية الشاغرة، يتم الإعلان عنها بالمحاكم وبكل الوسائل المتاحة، وتتلقى طلبات ترشيح القضاة أو المسؤولين القضائيين بشأنها من قبلهام أو من قبل المسؤولين القضائيين. تحدد بقرار المجلس: – لائحة مهام المسؤولية الشاغرة ؛ – الشروط التي يجب توفرها في المترشحين والمترشحات، ولا سيما الكفاءات والتجربة المهنية المطلوبة ؛ – أجل إيداع الترشيحات. ينظر المجلس في طلبات الترشيح لمهام المسؤولية الشاغرة وفق المعايير المنصوص عليها في المادة 72 بعده. يجري المجلس مقابلة مع المعنيين بالأمر يقدمون خلالها تصوراتهم حول كيفية النهوض بأعباء الإدارة القضائية. وفي حال عدم اختيار أي مترشح أو عدم التوصل بأي ترشيح، يتولى المجلس تعيين المسؤولين القضائيين وفق نفس المعايير. يمكن للمجلس، نظرا لما تقتضيه المصلحة القضائية، تعيين مسؤول قضائي لتولي مهام مسؤولية قضائية أخرى من نفس المستوى”.

ومما يؤخذ من هذه المادة، أن المشرع قد حدد مسطرة التعيين في مهام المسؤولية القضائية بشكل دقيق ؛ حيث أقرّ قاعدة عامة بخصوصها، وهي الإعلان عن الشاغرة منها، ثم فتح المجال أمام عموم القضاة ممن تتوفر فيهم الشروط المتطلبة قانونا للتباري حولها. ووَضَع لذلك استثناءين اثنين يمكن معهما التعيين في مهام المسؤولية القضائية دون سلوك المسطرة المومأ إليها:

أولهما: حالة عدم اختيار أي مرشح من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وذلك لانتفاء شرط من الشروط المنصوص عليها في المادة 72 من القانون أعلاه، أو انعدام أي مرشح للمهام الشاغرة المعلن عنها.

ثانيهما: حالة اقتضاء “المصلحة القضائية” لتعيين مسؤول قضائي في مهام مسؤولية قضائية أخرى، شريطة أن تكون من نفس المستوى.

ونزولا عند هذه المقتضيات القانونية، استغرب “نادي قضاة المغرب” في بلاغه أعلاه، خرق المجلس الأعلى للسلطة القضائية للقاعدة الآنفة الذكر، وذلك بعدم احترامه لمسطرة التعيين المنضوية تحتها، إذ تم التعيين في بعض المسؤوليات القضائية، بالرغم من أنه لم يسبق الإعلان عن شغورها، ولم تقدم طلبات الترشيح بخصوصها، مما اختل معه مبدأ “تكافؤ الفرص” المشار إليه في الفصل 31 من الدستور، وهي كالتالي:

  1.  الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بأكادير ؛
  2. الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعيون ؛
  3. الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالحسيمة ؛
  4. رئيس المحكمة الإدارية بفاس ؛
  5.  وكيل الملك لدى المحكمة التجارية بمكناس ؛
  6.  رئيس المحكمة الابتدائية بالمحمدية ؛
  7. رئيس المحكمة الابتدائية بابن سليمان ؛
  8. وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بابن أحمد ؛
  9. وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بقصبة تادلة ؛
  10. وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية ببرشيد ؛
  11. وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بالدار البيضاء.

ولا أدل على ذلك، من أن مهام هذه المسؤوليات القضائية، لم يعلن عن شغورها سابقا بمقتضى الإعلان الصادر عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المؤرخ في 20-09-2019، إذ اقتصر فقط على المناصب التالية:

  1. الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمكناس ؛
  2. الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف التجارية بفاس ؛
  3. رئيس المحكمة الابتدائية الاجتماعية بالدار البيضاء ؛
  4. وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالجديدة ؛
  5.  وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء ؛
  6. وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتازة ؛
  7. رئيس المحكمة الابتدائية بالحسيمة.

وعلاوة على هذا الخرق، فإن “نادي قضاة المغرب”، قد سجل في بلاغه أعلاه، أيضا، خرق ذات المجلس للحالة الثانية من الاستثناء الوارد على القاعدة العامة، والمنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من ذات المادة 71، إذ تم تعيين مسؤول قضائي في مهام مسؤولية أعلى من مسؤولياته، ودونما أي تحديد للمصلحة القضائية المبررة لذلك، وهي: مهام الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الذي كان وكيلا للملك لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بنفس المدينة.
وللإشارة، فإن غاية “نادي قضاة المغرب” من إثارة هذا الخرق، لا تعني إطلاقا التقليل من السادة المسؤولين القضائيين المعينين في المناصب أعلاه، وإنما هي جاءت من باب الدفاع عن احترام الدستور والقانون.

ثانيا: بخصوص التأديبات

معلوم أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وخلال دورتيه العادية والاستثنائية المشار إليهما آنفا، قد بت في مجموعة من القضايا التأديبية، توزعت بين المخالفات المهنية المنصوص عليها في القانونين التنظيميين المتعلقين بالسلطة القضائية، وبين قضايا الإخلال بالشرف والوقار والكرامة.

ومن جملة هذه القضايا التأديبية، كانت قضيتان مهنيتين أدرجتا أمام أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بتاريخ 27-03-2018، وكان السيد رئيس “نادي قضاة المغرب” مؤازِرا فيهما للقاضيين المعنيين بهما، إلى جانب قاض آخر، وكذا الأستاذ النقيب إبراهيم صادوق، حيث حضروا جميعا لمؤازرتهما، بعدما أعدوا كل ما يستلزمه حق الدفاع عن موكلَيْهم، وعند المناداة على أولى القضيتين، تفاجأت هيأة الدفاع بالسيد رئيس المجلس التأديبي وهو يطلب من القاضي المتابع تأديبيا اختيار شخص واحد من هذه أعضاء الأخيرة، إما قاض أو محام، فيما الباقي عليه أن ينسحب. وبعد القيام بمرافعة في الموضوع من طرف جميع أعضاء هيأة الدفاع، جدد السيد الرئيس رفضه، مؤكدا أن الأمر يتعلق بقرار المجلس كمؤسسة، وليس قراره لوحده.
وغني عن البيان، أن المادة 94 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية المؤسس عليها الموقف المذكور، نصت على ما يلي: “يمكن للقاضي المتابع أن يؤازر بأحد زملائه القضاة أو بمحام. للقاضي المعني أو من يؤازره حق الاطلاع على كل الوثائق المتعلقة بالملف وأخذ نسخة منها، بعد إيداع المقرر لتقريره”.

وليس هناك من شك، أن المنطق السليم في تفسير النصوص القانونية، يأبى ما ذهب إليه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في موقفه المذكور، ذلك أن عبارة “محام” في النسق التشريعي المغربي، لا تُحْمَل إلا على فكرة “النيابة”، أو على فكرة “المؤازرة والدفاع”، ولا عبرة فيها بعدد “النواب” أو “المؤازرين”، وذلك بدليل استعمال الفقرة الثانية من المادة المذكورة أعلاه لحرف الجر “من” المفيد للتبعيض “من الكل” في الجملة التالية: “للقاضي المعني أو من يؤازره (..)”، ومعلوم أن الدلالة العددية للبضع في اللغة، تتأدى في “السبع” فما زاد عنها.

وبعيدا عن التفسير القانوني للمسألة، ونظرا لما تنطوي عليه الواقعة المشار إليها سالفا من موقف سلبي خطير، يؤشر على مدى ارتداد الفكر الحقوقي لدى مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، بل، وارتداده حتى عما استقر عليه سابقا، فإن “نادي قضاة المغرب”، قد استنكر، في بلاغه أعلاه، استنكارا شديدا لنهج المجلس المذكور في انتهاك مبادئ “المحاكمة العادلة”، وذلك بتضييقه على حق القضاة المحالين عليه تأديبيا في الدفاع، وهو الحق المكفول لهم بمقتضى الدستور والقانون، نتيجة حصره لعدد المدافعين عن مصالح هؤلاء الأخيرين في قاض أو محام واحد، معتبرا ذلك خرقا مسطريا خطيرا، وانتهاكا لحق من حقوق الإنسان قررته كافة المواثيق الدولية والقوانين الوطنية.

المكتب التنفيذي لـ “نادي قضاة المغرب”

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

*