كلمة رئيس النادي بمناسبة 29 06 2019

بسم الله الرحمن الرحيم،

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

زميلاتي، زملائي القاضيات والقضاة كل واحد باسمه وصفته واعتباره …

في البداية أقدم  لكم (ن) جميعا أصدق تشكراتي وامتناني العظيم أصالة عن نفسي ونيابة عن كل أجهزة نادي قضاة المغرب من المكتب التنفيذي والمجلس الوطني والمكاتب الجهوية على تلبية دعوة النادي وحضوركم هذا الحدث التاريخي الهام الذي يتجدد فيه اللقاء مرة أخرى بكم (ن) للتأكيد على تكتلنا الاخوي والمهني كجسد قضائي واحد عندما يتعلق الامر  بالمطالبة بحقوقنا المشروعة على جميع المستويات الاقتصادية منها والاجتماعية وكذا حماية استقلالنا وتوفير ظروف ملائمة للاشتغال بما يليق بمكانة القضاء والقضاة في بلدنا الغالي، تنفيذا لإرادة جلالة الملك محمد السادس – حفظه الله – رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية المعبر عنها في مختلف خطاباته السامية، ولا سيما خطاب 20 غشت 2009، حيث ما فتئ جلالته يدعو جميع السلطات في الدولة إلى إيلاء القضاء العناية الكاملة ليقوم بأدواره الدستورية  المتمثلة في حماية الحقوق والحريات والأمن الجماعي للمواطنين والمتقاضين.

كما أتوجه بالشكر الجزيل إلى الاخوة والاخوات الممثلين لمختلف وسائل الاعلام الحاضرة معنا هذا اللقاء العام، وكذا على دورهم في إيصال صوت القضاة للرأي العام في مختلف المناسبات والأنشطة التي يقوم بها القضاة والمؤسسات الممثلة لهم سواء كانت رسمية أو جمعوية …

كما أشكر بذات المناسبة كل الفاعليات الحقوقية من المجتمع المدني والمهني والمؤسسات الرسمية والشخصيات العامة على دعمهم للمطالب العادلة والمشروعة للقضاة ومنهم نادي قضاة المغرب …

زميلاتي زملائي والحضور الكرام ….

إن حضوركم اليوم وتجشمكم عناء السفر، هو أصدق تعبير منكم عن تقدير التضحيات التي تقدمها الأجهزة الجمعوية الممثلة لكم  في أجهزة نادي قضاة المغرب، وهي مناسبة  لأقدم شكري الخالص لهم على ما يقومون به مجهودات -الظاهرة منها والخفية – على المستوى المركزي والجهوي في ظل غياب وسائل العمل المادية وفي ظل الإرهاق المهني المرتبط بالعمل داخل المحاكم تماما كباقي زميلاتهم وزملائهم وأحيانا في ظل التضييق عليهم، ولهذا اعذروني إن طلبت منكم الوقوف للحظات والتصفيق على هذه الجهود التي نتمنى استمرارها وتطويرها، كما نتمنى بالمناسبة من المؤسسات القضائية والحكومية دعم العمل الجمعوي القضائي لكونه يشكل قيمة نوعية وإسهاما لا غنى عنه في مجال القضاء والعدالة بشكل عام اذا ما تم استثماره وفق ما يخدم الهدف من وجوده.

الزميلات والزملاء والحضور الكرام ….

إننا نجتمع اليوم بهذه القاعة التي سبق لها ان احتضنت بتاريخ  05-05-2012 حضور أول تجمع قضائي بصبغة مطلبية في تاريخ القضاء المغربي وتلتها بعد ذلك محطات أخرى من قبيل وقفة محكمة النقض بتاريخ 16-10-2012 ووقفة 08-02-2014 والوقفة الخاصة بأجهزة النادي بمحكمة النقض بتاريخ 03-07-2015 واعتصام لأعضاء المكتب التنفيذي بمقر النادي بالرباط يوم 22-07-2015 ومحطة 14-11- 2015 واعتصام أعضاء المجلس الوطني بمقر النادي ايضا وقبلها كانت وقفة تاونات وآسفي ووقفة الغضب بالقنيطرة  وزيارات تضامنية بكل من صفرو والعرائش وغيرها من الزيارات التي نظمتها مكاتبنا الجهوية لوحدها أو بالتنسيق مع جمعيات  أخرى زميلة. وكان الهدف دائما من هذه اللقاءات هو الدفاع عن مصلحة مشروعة للقضاة وللقضاء متمثلة إما في الدفاع عن إقرار قوانين تنظيمية ضامنة لاستقلال السلطة القضائية وإما في الدفاع عن كرامة القضاة والمطالبة بتحسين ظروف الاشتغال.

واليوم إذ نجدد هذا اللقاء تأكيدا  للتضامن القضائي المشروع الذي تجسده الجمعيات المهنية وفي مقدمتها نادي قضاة المغرب، فإنه يجب التذكير أن لقاء اليوم وإن أتى في سياق هذه المسيرة المستمرة المشار إليها قبله، فإن ذلك يجب ألا ينسينا الظروف العامة والخاصة التي يعقد فيها اللقاء، حيث تغيرت العديد من المعطيات في المجال القضائي داخليا وخارجيا، وبالتالي يمكننا القول أننا اليوم على موعد مع ولادة جديدة للعمل الجمعوي المهني القضائي ورسم معالمه من طرفكم جميعا بعد هذا اللقاء (29-06-2019 ) في ظل المرحلة الحالية التي نعيشها والمتسمة باستقلال السلطة القضائية على مستوى المؤسساتي فقط من دون دعم هذا الاستقلال باستقلال مالي وإداري وهو شيء طالما حذرنا منه في نادي قضاة المغرب وباقي الجمعيات الزميلة عندما  كانت القوانين التنظيمية  لا زالت في مرحلة المناقشة.

والآن يتأكد بالملموس ما سبق التحذير منه، بحيث تمسك الحكومة جميع المداخل المتعلقة باحتياجات السلطة القضائية من الناحية المالية سواء على مستوى  حاجيات المحاكم من أدوات للعمل أو على مستوى  تحسين الجانب الاقتصادي والاجتماعي  للقضاة بل حتى على مستوى التدبير  العادي المادي لوضعية القضاة الفردية، إذ لا يستطيع المجلس الأعلى للسلطة القضائية – مثلا-  تنفيذ مقرراته ذات الطابع المالي إلا عن طريق وزارة العدل دون أن يستطيع مخاطبة وزارة المالية بشكل مباشر …وبالتالي يمكن القول أن الوضعية الراهنة التي أصبح عليها القضاء تتطلب منا جميعا كقضاة وجمعيات مهنية ومؤسسات أن نعمل جميعا صفا واحدا للمطالبة بحقوقنا وأن نطالب دوما بضرورة تعديل القوانين الحالية لتحقيق الاستقلال المالي الكامل حتى تتحمل المؤسسات القضائية المركزية والمحاكم مسؤوليتها كاملة في المنتوج القضائي الذي تصدره خدمة للعدالة والمتقاضين، هذا دون الحديث عن الاهتمام بالعنصر البشري ( السيدات والسادة القضاة ) الذي يبذل مجهودات تفوق طاقته في الكثير من الأحيان بفعل ضآلة عدده مقارنة مع عدد القضايا وتعقدها دون تحفيز ولا اهتمام بوضعه الصحي والاجتماعي والتحفيزي.

الزميلات والزملاء والحضور الكرام ….

إن وضعية القضاء والقضاء، ظلت لسنوات بل لعقود طويلة من المواضيع المسكوت عنها إلى غاية ظهور التعدد الجمعوي  سنة 2011 والذي كان من نتائجه تشخيص الوضعية بشكل واضح ووصف الوضع كما هو في الواقع دون تجميل توخيا لمعالجته، و‘ذا كنا في نادي قضاة المغرب قد ركزنا في الفترة السابقة (من سنة 2011 إلى الآن) بشكل كبير على موضوع استقلال السلطة القضائية  لمواكبة مرحلة التأسيس وتنزيل الدستور وتحققت بعض النتائج ما كانت لتحقق لولا وجود الصوت الجمعوي المهني للقضاة، فإننا اليوم على موعد مع بداية الاشتغال على ملف آخر هو الملف الذي سماه نادي قضاة المغرب ” التحصين الاقتصادي والاجتماعي للقضاة ” وهي تسمية جامعة مانعة.

لكن، لماذا الاهتمام بهذا الموضوع ؟ إن الاهتمام بهذا الموضوع نابع من سببين أساسين، أولهما مرتبط بكون تحصين شخص القاضي من آفة الحاجة (والتحصين هو مصطلح يتطور بحسب الزمان والمكان ومرتبط بتطور المعيشة وفق الواقع وثقافة المجتمع) ومن أهمها الحاجيات الأساسية للعيش الكريم التي هي السكن والتطبيب والتعليم والتحفيز الاجتماعي المادي والمعنوي، وهذا أمر معلوم في الأدبيات المتعلقة باستقلال السلطة القضائية عبر العالم وأعتقد ان الوثيقة التي أعدها النادي بهذه المناسبة والتي بين ايديكم تجيب عن ذلك. وأما السبب الثاني فيتعلق بواقع التحصين الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه القاضي المغربي على جميع المستويات بدءا من المعطيات الآتية:

–           الأجر : إن أجر القاضي المغربي يجب أن ينظر إليه لا كرقم فقط ومقارنته مع غيره من  وظائف إدارية  أخرى ( مع العلم أن هذه الأخيرة تفوقه أحيانا وتماثله في أحايين كثيرة) ولكن  يجب النظر كذلك إلى الالتزامات الملقاة على عاتق القضاة  مهنيا ولائحة الممنوعات المفروضة عليهم قانونا بفعل مناصبهم  في الحياة العامة  فضلا عن عملهم في مواجهة الإغراء الاقتصادي وغيره  (وهذه الحالة الأخيرة أشار اليها المرحوم الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه عندما أشار في خطابه بتاريخ 31 مارس 1992 قائلا  “أنتم لديكم مسؤولية اكبر مما لدي …فأنتم في عراك مستمر تخوضونه صباح مساء …. تمر امامكم يوميا قطارات من الذهب….” ). وبهذا المعني يظل أجر القاضي المغربي الحالي لا يستجيب لمتطلبات حياته اليومية الضاغطة، ولاسيما القضاة في طور التدريب والقضاة الذين يتم تعيينهم حديثا والقضاة في باقي الدرجات وحتى الدرجات الاستثنائية الذين يتم مقارنة أجرهم بشكل غير سليم فإنهم ما أن يصلوا الى تلك الدرجة بعد 20 سنة من العمل في الحالات العادية إلا وتزداد تكاليفهم الناتجة عن طبيعة العمل والأسباب الصحية وكبر الأولاد وغير ذلك ..ولهذا اقترحنا فكرة المراجعة الدورية للأجور القضاة كفكرة راقية ترتبط بتطورات المعيشة  …

–           التعويضات : يكفي هنا أن نشير إلى أن هذه التعويضات غير موجودة لا عن المسؤولية الإدارية ولا عن الديمومة ولا عن أية مهام أخرى يقوم بها القاضي، وبعد العديد من المطالبات التي قمنا بها وتنصيص القانون التنظيمي على بعض منها – أقول البعض وليس الكل – لم يتم تنزيلها على أرض الواقع رغم مرور أزيد من سنتين على صدور القوانين التنظيمية للسلطة القضائية، وهنا يكفي أن نذكر أن العديد من المسؤولين على مستوى محاكم الاستئناف من درجة الرئيس الأول أو الوكيل العام لا يستفيد من أي تعويضات وحتى السكن أحيانا، أما باقي المسؤوليات من  باقي رؤساء المحاكم ووكلاء الملك ورؤساء الأقسام فهي إما ضئيلة لا تكاد تذكر أو غير موجودة …

–           الترقيات : تعرف العديد من ملفات زملائنا مشاكل على هذا المستوى لم يتم حلها إلى الآن، فضلا عن أنه نظام غير محفز. ويكفي ان نشير هنا إلى أن القاضي يظل مدة طويلة في إحدى الدرجات أي 8 سنوات كحد أدنى والباقي خمس سنوات وعند وصوله للدرجة الاستثنائية يبقى في مكانه إلى أن يتقاعد دون أي تحفيز مهني.

–           التحفيزات : العديد من التحفيزات المرتبطة بالعمل والموجودة في إدارات أخرى غير موجودة عند القضاة (مفصلة في الوثيقة التي بين ايديكم).

–           الجانب الاجتماعي : شبه منعدم ولا يستفيد منه القضاة شيئا وسبق للنادي ان نبه على هذا الامر أكثر من مرة …

–           الوضعي الصحي : هذا الموضوع لوحده يتطلب عملا كبيرا ويحتاج للتوضيح كثيرا، لأنه عندما نتحدث عن أمراض تصيب القاضي والقضية فإننا نتحدث عن أمراض تصيبهم نتيجة عملهم سواء كانت جسمانية بفعل طبيعة العمل  او غيرها من الأمراض، وما دام الامر كذلك،  فإنه يجب على الجهات المعنية أن تتدخل للتكفل بالقاضي في هذا الجانب بشكل يراعي تضحيته لفائدة العدالة كمرفق عام، لا أن تتركه يواجه مصيره في ظل نظام التغطية الصحية العام الذي لا يفي بالمطلوب نهائيا، وهنا نسجل بكل أسى وحسرة معاناة بل وفاة العديد من زميلاتنا وزملائنا بين أيدينا دون أن نستطيع أن نلبي لهم الاحتياجات العلاجية التي كانت باهظة وماتوا أمام أعيننا ( ولا أستطيع أن أحصر الأسماء فهي كثيرة).

الزميلات والزملاء والحضور الكرام ….

إننا اليوم أمام هذه الفرصة التاريخية لتجديد إسماع صوتنا  بكل ما أوتينا من قوة مشروعة عبر التكتل الجمعوي الذي نحمد الله على وجوده، فعلى الأقل لم تعد معاناتنا تمر في صمت كما كان سابقا، ولذلك أوصي في ختام هذه الكلمة بأن نعي اللحظة التاريخية جيدا  بكل ما تحمله من تحديات (من داخل الجسم وخارجه) لمصيرنا المهني واعتبارنا المعنوي، وأن نتشبث ونتلف حول إطارنا نادي قضاة المغرب وكل إطار جمعوي آخر يخدم بصدق المصلحة المشروعة للقضاء والقضاة عبر أدبيات واضحة وفعل ميداني واضح وقول بين صريح مع الاستقلال في القرار الجمعوي، وأن نحافظ على العمل الجمعوي بنفس الحرص الذي نقوم به في الحفاظ على أمورنا الشخصية المهنية الأخرى وأن نقف في وجه محاولات قتل العمل الجمعوي ومحاولة تمييعه، وذلك عن طريق دعم الأجهزة والمشاركة في الأنشطة الجمعوية حضورا واقتراحا والانخراط في العمل التطوعي جهويا ووطنيا  لتجديد النخب التسييرية ، تفاديا للشخصنة القاتلة للعمل الجمعوي.

الزميلات والزملاء والحضور الكرام ….

إن تحقيق هذا كله وأكثر رهين بانضباطنا الجمعوي، فإذا كنا نريد الخير لأنفسنا ومهنتنا وقضاء بلدنا علينا في الجانب الجمعوي وأقصد – نادي قضاة المغرب  لأنه لا يمكنني التحدث عن جمعية أخرى – فعلينا التشبث بالنادي عن طريق تنفيذ المقرارات الصادرة عنه وفقا لآليات التسيير الديمقراطي – اتفقنا معها او اختلفنا معها – لأنها صدرت بعد نقاش من أجهزة متعددة، كما أدعو نفسي وإياكم لتحمل مسؤولياتكم عند اختياراتكم في الاستحقاقات التمثيلية سواء الجمعوية منها أوالمؤسساتية وهذه دعوة عامة مجردة لا تهم شخصا او جهة بعينها. وفي الأيام القادمة نحن مقبلون في نادي قضاة المغرب على قرارات مهمة سوف تتخذها أجهزتنا في إطار الأهداف التي نعمل وفقها والمسطرة في قانوننا الأساسي لجمعيتنا –  دفاعا عما يلي :

  • الملف الاجتماعي والاقتصادي؛
  • كرامة القضاة؛
  • تحسين ظروف الاشتغال؛
  • الاستمرار بالمطالبة في معيارية الوضعية الفردية للقاضي أمام مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص.
  • حماية حرية تعبير القضاة وحرية انتمائهم الجمعوي وكشف كل المحاولات التي تسعى لحقن هذا الحق بذرائع مختلفة، مع إعلان تضامننا المطلق لكل حالات التضييق المصنفة في هذا الإطار والتي سوف تناقشها الأجهزة وتتخذ موقفا بشأنها.
  • التأطير الجمعوي لكل ما يهم مجال الاشتغال لتحقيق أعلى درجات الاستجابة للمقررات الصادرة عن أجهزة النادي وتفادي بعض الإشكالات المرتبطة بممارسة الحقوق.

وختاما، أؤكد أصالة عن نفسي ونيابة عن باقي الزملاء والزميلات أن أجهزة نادي قضاة المغرب تتعهد أمامكم بالدفاع عن مصالكم المشروعة، وأن تسلك سبيل المصارحة في تسييرها لأمور الجمعية، وفاء لثقتكم والتزامكم الدائم معنا.

أجدد شكري لكم ولكن جميعا بحضوركم وللإخوة والأخوات ممثلي وسائل الاعلام والسلام عليكم ورحمة الله.

حرر بالرباط في 28/06/2019

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

*