بـــــــــــلاغ

بناء على القانون الأساسي لجمعية “نادي قضاة المغرب”، ولا سيما المادة الرابعة منه، انعقد المكتب التنفيذي لهذا الأخير بواسطة تقنية الاتصال عن بعد، احتراما منه لتدابير الحد من تفشي جائحة فيروس كورونا كوفيد-19، يومه 20 ماي 2020، في دورته العادية لتدارس مستجدات الساحة القضائية، حيث كان على رأسها دراسة قضية الإهانات والاعتداءات التي يتعرض لها القضاة إما أثناء مهامهم أو بمناسبتها. وبعد وقوفه على العديد من حالات تلك الإهانات والاعتداءات؛ ومراعاة منه لكافة المعطيات المتعلقة بوقائعها، والتي تم استجماعها بناء على ما تم تداوله ببعض وسائل الإعلام، والتواصل المباشر مع المعنيين بها، فضلا عما تم نشره عبر الوسائط التكنولوجية الحديثة ؛ ثم تدارسه لتداعيات ذلك على سمعة وهيبة مؤسسات الدولة، والتداول بشأنها وفق آلية التسيير الديمقراطي، مما تقرر معه إعلان ما يلي:

1- يثمن “نادي قضاة المغرب”، بداية، وبمناسبة ما تعيشه بلادنا في ظل جائحة فيروس كورونا كوفيد-19، كل الإجراءات والتدابير التي اتخذتها مختلف السلطات العمومية المختصة لمواجهة هذا الوباء العالمي، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، ومن بين هذه السلطات السلطة القضائية ممثلة في القضاة العاملين بمحاكم المملكة، سواء من حيث ضمان استمرارية المرفق القضائي والحفاظ على حقوق المتقاضين، أو الإشراف المباشر والآني على حسن تنفيذ حالة الطوارئ الصحية، وذلك من منطلق واجبهم الوطني، وانسجاما مع المسؤولية الدستورية والقانونية الملقاة على عاتقهم. ويؤكد، بهذا الصدد، انخراطه التام في التعبئة الشاملة، وفي التضامن الوطني العام، بغية تحقيق ذات الغاية.

2- يشدد على أن ما تعيشه بلادنا من وضعية خاصة فرضتها حالة الوباء، لا ينبغي أن ينسينا دورنا كمجتمع مدني أولا، وسلطات عمومية ثانيا، في إعطاء الأولية اللازمة لاحترام مقتضيات الدستور والقوانين ذات الصلة بحقوق وحريات المواطنين، بل وكل مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، بما يضمن التوازن بين هذه الحقوق والواجبات التي اقتضتها حالة الطوارئ الصحية والتدابير المتخذة لتفعيلها، تحقيقا وتوخيا للمصلحة العامة للبلاد.

3- يسجل –بكل أسف- العديد من حالات الإهانة والاعتداء التي تعرض لها بعض القضاة في السنوات الأخيرة، إما أثناء قيامهم بمهامهم أو بمناسبتها أو في غيرهما، وذلك من طرف بعض العناصر المكلفة بإنفاذ القانون، في تعدٍ صارخ على حقوق المواطنة المكفولة دستوريا وقانونيا لجميع المواطنين بدون استثناء، ومنهم القضاة والقاضيات.

4- كما يسجل، وباستغراب شديد، ما صاحب معظم تلك الحالات من تسريب لصور وأشرطة فيديو التُقِطت بدون موافقة أصحابها في مسٍّ صارخ بحياتهم الخاصة، مما يحتمل معه كون الأمر يتعلق إما بخرق لسرية البحث، المكفولة قانونا بمقتضى المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية، وإما بمخالفة لمقتضيات الفصل 447-1 وما يليه من القانون الجنائي، أو لمقتضيات القانون رقم 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي.

5- يلاحظ، بقلق كبير، الإحجام المتكرر للجهات المختصة عن حماية القضاة من تلك الاعتداءات والإهانات، واستنكافها عن تطبيق مقتضيات المادة 39 من النظام الأساسي للقضاة، وباقي الفصول ذات الصلة من القانون الجنائي، مع ما يَطْبَع تدخلها من تردد وتلكؤ غير مفهومين، وذلك في بعض الحالات الموثقة.

6- يؤكد أن عدم التعامل مع هذه الظاهرة بالحزم القانوني المطلوب، من شأنه أن يعطي انطباعا سلبيا للمواطن –كما تم تداوله في الكثير من المواد الإعلامية بمناسبة واقعة طنجة- بأن السلطة القضائية لا تقوم بأدوارها في تطبيق القانون على جميع الفئات، وهي بذلك غير قادرة على حماية حقوقه وحرياته وأمنه القضائي بالشكل المطلوب، وفي نطاق مبدأ المساواة أمام سلطة القانون.

7- يُذَكِّر بأن هذا المنحى، وعلاوة على نيله من هيبة الدولة ومؤسساتها، فإنه يخالف المنهج الملكي السامي الذي اختاره صاحب الجلالة حفظه الله لاستكمال دولة الحق والقانون، وذلك من خلال تعليماته السامية التي أصدرها بمناسبة تعيين السيد رئيس النيابة العامة، بمقتضى الظهير الشريف المؤرخ في 03-04-2017، وهي كما يلي: “وعليه، فنأمره بصفته رئيسا للنيابة العامة، والمسؤول القضائي الأول عن حسن سيرها، بالدفاع عن الحق العام والذود عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته، متمسكا، هو وسائر القضاة العاملين تحت إمرته، بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف التي ارتأيناها نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون، القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفرادا وجماعات، في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات”.

8- يدعو، تبعا لكل ذلك، جميع مسؤولي النيابات العامة بمحاكم المملكة، إلى الاضطلاع بأدوارهم ومسؤولياتهم الدستورية والقانونية، وذلك بالتمسك بسيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، ومن جملتهم القاضيات والقضاة.

9- يدعو، من جهة أخرى، مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وفي إطار مهامها الدستورية المتمثلة في إصدار توصيات حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة، تطبيقا للفصل 113 من الدستور والمادة 108 من القانون المتعلق بذات المجلس، إلى التدخل عن طريق وضع تقرير يوصي بآليات كفيلة بدعم حقوق القضاة كمتقاضين مفترضين أمام النيابة العامة، على غرار عموم المواطنين، مع التنصيص على منع تقديم أي تنازل من طرف القاضي كلما كان الاعتداء أو الإهانة التي تعرض إليها ذات صلة بصفته القضائية أو بمناسبتها.

10- يدعو نفس المؤسسة، أيضا، وفي إطار رقابتها السنوية لعمل رئاسة النيابة العامة في شقه المتعلق بتنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، تطبيقا للمادة 110 من القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى إصدار توصيات لمؤسسة النيابة العامة تقضي بضرورة حماية القضاة من الإهانات والاعتداءات التي يتعرضون لها وفق ضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف.

11- يؤكد لجميع أعضائه، ومن خلالهم لكل قاضيات وقضاة المملكة، وكذا الرأي العام الوطني، أن ما يمر به وطننا الأَعَزّ من ظروف الجائحة، والتعبئة العامة للحد من انتشارها، فرضَ عليه أن يتعامل مع هذا الموضوع بتعقل وكياسة بالغين، رغم علمه اليقيني بالاستياء والتذمر العارمين لكل قاضيات وقضاة المملكة دون استثناء، بل، وجزء عريض من مكونات المجتمع، والمعبر عنه عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بتعابير تنطوي على إيحاءات سلبية لا تخدم مطلب تعزيز الثقة في المؤسسات القضائية، ولا في القائمين عليها.

12- قرر، اعتبارا منه لهذه الظرفية المذكورة، واستحضارا لمعطيات أخرى، وبشكل عملي واستعجالي -في انتظار أن يرفع الله عنا الوباء-، طلب لقاء مع السيد رئيس النيابة العامة لإبلاغه بمختلف هذه التصورات التي تهم موضوع حماية القضاة أثناء عملهم وبمناسبته – من دون التطرق إلى الحالات المعروضة على القضاء – قصد اتخاذ خطوات مستقبلية تهدف إلى تفعيل تلك الحماية، وكذا حماية كل العاملين في مجال العدالة، وكافة المتقاضين، في إطار مبدأ مساواة الجميع أمام القانون.

13- يؤكد أنه، وبعد تنفيذ هذه الخطوة العملية، سيعقد اجتماعا موسعا لأجهزته الوطنية قصد اتخاذ ما يلزم في ضوء ما سيسفر عنه اللقاء المزمع إجراؤه مع السيد رئيس النيابة العامة، وفقا للأهداف المحددة في قانونه الأساسي باعتباره جمعية مهنية مستقلة في تسييرها واتخاذ قراراتها. وفي الختام، يؤكد “نادي قضاة المغرب”، حاضرا ومستقبلا، على التزامه التام بما عاهد عليه السادة القضاة من الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم، في انسجام تام مع مقتضيات الدستور والقانون، وكذا كل المواثيق الدولية ذات الصلة. ويدعو، في هذا المقام، كل مكاتبه الجهوية إلى القيام بتعبئة شاملة بواسطة وسائل التواصل الحديثة، احتراما لتدابير حالة الطوارئ الصحية، وحفاظا على المكتسبات وحماية حقوق القاضيات والقضاة.

المكتب التنفيذي لـ “نادي قضاة المغرب”

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

*